اخر الاخبار

لا تختبروا ثقتنا بقلم يسري فودة



لا داعى لذكر أسماء. سنذكرها إذا تطلَّب الأمر، وإذا تطلَّب الأمر أكثر سنقدم الوثائق. فقد اتصلت بى فنانة مصرية كبيرة تتمتع بسماحة الوجه والقلب تستنجد بى فى شأن لا يخصها شخصياً، بل يخص مصر كلها. أعطتنى رقم هاتف لمصدر رسمى تأكدت من مصداقيته، حكى لى واقعة تضاف إلى وقائع أخرى أقل ما يقال فيها أنها لا تساعد على بناء الثقة بين الثورة ومَنْ بيدهم اتخاذ قرار.
من بين مئات الآباء الذين اختفى أبناؤهم فى مراحل مختلفة من الثورة، يحمل والدان اثنان على الأقل فى قلبيهما قصتين دراميتين. أحدهما معلوم والآخر مجهول. أحدهما يعلم والآخر لا يعلم. أحدهما يسأل والآخر يتساءل. فأما الأول فقد حفيت قدماه بحثاً عن ابنه حتى وجد نفسه فى مشرحة يتنقل بين الجثث. لكن هذه كانت قد تحللت وتشوهت إلى الحد الذى لا يصلح معه حتى قلب الأب وحنين الدم فى التعرف على الشخصية.
يساعدنا العلم إذن فيقوم الخبراء بإجراء اختبار الجينات الوراثية «DNA»، الذى يقودهم إلى تعيين جثة بعينها. يحملها الأب باكياً مفطوراً ويدفنها فى مقابر العائلة. استراح قلبه على الأقل لأنه لمَّ عظام ابنه وصلى عليها وسأل الله أن يرحم روحه وتقبَّل العزاء من الأهل والأصدقاء. لكن عليه الآن أن يعيش مع حقيقة أنه فقد ابنه شهيداً، مثلما يحتسبه لدى الله، من شهداء الثورة وإن كان لا يعلم تماماً أين ومتى وكيف استشهد.
تمر أيام قليلة قبل أن يزوره زائر يحمل له رسالة عتاب: «لماذا لا تسألون عنى؟ أحتاج إليكم وأحتاج إلى بعض النقود لشراء الطعام من كانتين السجن». هكذا يفجّر الزائر قنبلة فى وجه الأب. «ابنى؟ ابنى مات يا ابنى وأنا دفتنه بإيدى». فى رحلة طويلة من البيت إلى السجن، تحتاج إلى مثل ألفريد هيتشكوك كى يرسم لنا منحنياتها، تعصف الأفكار بعقل الرجل وتتملكه مشاعر متناقضة تتسع معها حدقتا عينيه وهو لا يرى أمامه ولا حوله. يزيد خفقان قلبه وقد اقترب من السجن، وحين يدخله يكاد يتوقف قلبه عن الخفقان وهو يجهش بالبكاء: «ابنى».
من إذن ترتاح عظامه الآن فى مقابر الأسرة؟ نستطيع الآن أن نتخيل أباً آخر واحداً على الأقل وهو يتساءل فى حُرقة: «أترى تكون تلك عظام ابنى أنا الذى اختفى ولم يقل لى أحد أين هو؟».
هذه جريمة كبرى. وبغض النظر عن كونها إهمالاً جسيماً أو عمداً مغرضاً فإنها تجعلنا ننتقل من مبدأ الثقة إلى أن يثبت العكس إلى مبدأ الشك إلى أن يثبت العكس، وشتان بين المبدأين. وما يدعم هذا الانتقال مثلاً هو أننا أثبتنا بالدليل القاطع المخالفة القانونية الواضحة لوضع رموز النظام المتهمين بالفساد فى سجن واحد على اتصال ببعضهم البعض وبالعالم الخارجى بصورة تؤثر بكل تأكيد على فرصة المحقق فى الوصول إلى الحقيقة ومن ثم إلى العدالة. ورغم ذلك لم يحدث شىء.
كنا نريد أن نغمض أعيننا ونشعر بالثقة والأمان ونحن نترك كلاً يؤدى عمله حتى إن أخطأ عن غير عمد، لكن مؤشرات كثيرة تقودنا الآن إلى أن نعتقد أن من واجبنا اليوم تجاه أنفسنا وتجاه بلادنا أن ننتقل إلى مبدأ الشك فى كل شىء إلى أن نرى العكس بأمهات أعيننا شاخصاً أمامنا لا لبس فيه.. ولم نكن نريد لهذا الانتقال أن يحدث.

0 تعليق على " لا تختبروا ثقتنا بقلم يسري فودة "

إرسال تعليق

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...

التسميات

افتكاسات حسنى مبارك صــــور فيديو اعتداء اسرائيل على سيناء 8 يوليو اسرائيل اليمن الشعر جلال عامر ثورة 23 يوليو د البرادعى سوريا حبيب العادلى اخبار وائل قنديل ليبيا ابراهيم عيسى وزير التموين مقالات تخص الثورة علاء الاسوانى توفيق عكاشة محاكمة المخلوع مبارك يسرى فودة عبد الحليم قنديل السيسى فهمى هويدى مقالاتى حسين سالم غزة رابعة القموس السياسى ملف ثروات مصر احمد موسى الاسعار بلال فضل الفقر فؤاد حداد كامب ديفيد الابنودى تونس جمال مبارك كاريكاتير هوان العرب الدعم فساد احمد منصور فساد التموين فيديو الثورة كتب مليطة ابراهيم كامل شهداء الثورة وزير الاوقاف البرادعى الكهرباء تطبيع تيران و صنافير حلب صابر الرباعى عمرو عز - شاهد على الثورة قناة العربية مصطفى بكرى نصوص التحقيقات وجوه مضيئة للثورة ياسر رزق ابراهيم سليمان تامر امين خذلان العرب داليا زيادة سامح شكرى صحف اسرائيل صفوت حجازى علاء مبارك محمد الغيطى محمد نجيب ملف وزير الكهرباء ovemic اخبار اليمن الغلاء الفساد المترو انقلاب تركيا باسم يوسف برلمان 2015 بسنت فهمى بيت المقدس تدخل روسيا تركيا حازم الببلاوى دندراوى روبرت فيسك صفوت حجازي - شاهد على الثورة عبد العال فرنسا ليبرمان مأمون فندي محمد الجوادى مدحت العدل مرتضى منصور مصطفى الفقى مصطفى حجازى معتز عبد الفتاح مفيد فوزى مواطنون شرفاء وائل الابراشى يوسف زيدان ciohi أكرم القصاص ابو الغيط احمد الفضالى اسامة كمال استشهاد جنود اسعاد يونس اسعار اسماء البلتاجى الامارات البشير الدولار الزند السعودية الشرطة الشوبكى الشيخ محمد حسان الشيخ ميزو الصحة العريش القضاء القيمة المضافة الكهربا المصرى اليوم المفتى الهام شاهين انجى انور انس الفقى جمال بخيت حازم عبدالعظيم حسين فهمى حقوق انسان حمدين صباحى خالد محى الدين خالد يوسف داليا البحيرى دعم دينا رامز رانيا بدوى رفعت السعيد ريم البارودى ريهام السهلى زكريا عزمى سد اثيوبيا سعد الدين الهلالى سيد القمنى شوبير صحافة اسرائيل صور طبيعة صور مفتكسة عصام حجى عمر سليمان غلاء فلسطين فيديو : ابو حفيظة قناة الجزيرة لميس جابر مارجريت عازر ماسبيرو مايا دياب مجدى طنطاوى محلب محمد امين محمد عبد الرحمن مريد البرغوثى مصر للطيران مصطفى النحاس مظهر شاهين معصوم مرزوق مميز موجز ام الانباء موقعة الجمل نبيلة مكرم نهاوند سرى نوارة نجم نور المالكى هشام جنينة هيثم محمدين هيفاء وهبى وزير الخارجية وزير المالية

أرشيف المدونة الإلكترونية

افتكاسات الثورة كوميس افلام اقتصاد شعر الثورة احداث اسعار 2016 صور مصر قديم البومات
Are you Awesome? Legend has it that Awesome people can and will share this post!
لا تختبروا ثقتنا بقلم يسري فودة