نامت مصر أول من أمس على وقع التظاهرات أمام مقر السفارة الإسرائيلية المشرفة على «كوبري الجامعة» والمطالبة بطرد السفير وإغلاق السفارة، واستيقظت على لغط دائر حول مدى صحة صدور بيان مصري شديد اللهجة في شأن ما حدث. وبين هذا وذاك كم هائل من الأخبار المتواترة المثيرة للقلق، تارة عن جماعة فلسطينية تتوعد بتحويل سيناء المصرية أرضاً للصراع مع إسرائيل، وتارة أخرى عن مطالبات غاضبة بوقف العمل بمعاهدة السلام، وثالثة بالتأهب لتطور الأوضاع السريع في سيناء. ورغم هذه الأجواء المتوترة، إلا أنها أتت بما ظن الجميع أنه لن يأتي، ألا وهو توحد الصفوف وجمع الفرقاء.
وليس هناك ما يمكن أن يلم الشمل أكثر من خطر خارجي يحدق بالجميع. فللمرة الأولى منذ سنوات طويلة استشعر المصريون ممن هم في منتصف العمر أو يزيد أجواء الحرب، فيما انتفض الشباب ممن اقتصرت صلتهم بالحروب على دراساتها
في كتب الدراسات الاجتماعية المقررة على الصف الثالث الإعدادي ومشاهدة فيلم «الرصاصة لا تزال في جيبي» المقرر على التلفزيون في ذكرى حرب تشرين الأول (أكتوبر) 1973 غضباً وحماسة.
وعلى النقيض من أجواء الأسابيع الماضية المحملة بغيوم التناحرات الدستورية والسجالات الانتخابية والمعارك الكلامية الأيديولوجية المحتدمة بين التيارات المختلفة، عادت الصفوف إلى التوحد مجدداً مستعيدة أجواء الأسابيع القليلة التي تلت تنحي الرئيس السابق حسني مبارك والتي لمت شمل كل المصريين.
صحيح أن لمَّ الشمل هذه المرة يندرج تحت مقولة «رب ضارة نافعة»، إذ نتج من خطر خارجي لا يفرق بين ليبرالي يطالب بالدستور أولاً، و»إخواني» يؤكد ضرورة الانتخابات أولاً، وسلفي يشهر فزاعة التكفير لـ»الدولة المدنية»، وعلماني يطرح إمكان فصل الدين عن الدولة، إلا أن الغاية تبرر الوسيلة، والخطر الإسرائيلي الواضح يبرر جمع الشتات السياسي، ولو موقتاً.
وانعكست هذا التوحد الذي طال انتظاره على الفضاء الإلكتروني كذلك. ودخل المصريون في سباق مع الضوء على سرعة تغذية مواقع مثل «تويتر» و»فايسبوك» بتعليقات تعكس ذلك. «لو تقدمت إسرائيل خطوة إلى الأمام سيهب الشعب المصري كله للدفاع عن سيناء...ما علينا سوى التوجه إلى موقف باصات سيناء لندافع عن بلدنا».
ومن الفضاء الإلكتروني إلى فضاء ميدان مصر وشوراعها المتخمة بالمحلات التجارية المتلاصقة والمارة والمنتظرين لباصات النقل العام حيث سيطر حديث سيناء على الجميع.
وعلى غرار المثل القائل «مصائب قوم عند قوم فوائد»، أثبتت مجريات الساعات القليلة الماضية أن مصيبة قوم عند مرشحي الرئاسة فوائد انتخابية وترويجية وإعلامية. فقد انخرط المرشحون المحتملون للرئاسة في «ماراثون» لزيارات أهالي شهداء الشرطة الذين استشهدوا في سيناء، وآخر لإطلاق التصريحات المنددة بالاعتداءات الإسرائيلية والتي تراوحت بين التأكيد على «أن دماء الشهداء لن تضيع هدراً» (المستشار هشام البسطويسي)، وأن «أيام زمان راحت ودم الشهداء لن يذهب بدون قصاص» (الفريق مجدي حتاتة)، أو أنه «يجب أن تعي إسرائيل وغيرها أن اليوم الذي يُقتل فيها أبناؤنا بلا رد فعل مناسب وقوي قد ولى إلى غير رجعة» (السيد عمرو موسى)، أو «يجب أن يدرك العدو الإسرائيلي أن الدم المصري هو أثمن ما نملك» (الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح)، أو «في ضوء تضارب الأنباء أين بيان المجلس العسكرى عن حقيقة ومسؤولية ما حدث ويحدث فى سيناء؟» (الدكتور محمد البرادعي).
من جهة أخرى، لاقت دعوات تم توجيهها عبر «فايسبوك» لأن يكون يوم التاسع من أيلول (سبتمبر) المقبل جمعة إسقاط المجلس العسكري موجات اعتراض وانتقاد عاتية مطالبة القائمين على هذه الدعوات التي أسموها بـ»المغرضة» بالتزام الصمت التام والاختفاء من على الساحة التي لم تعد تتحمل الدعوات الصبيانية. وبين صبيانية التصرفات لدى البعض وضبابية الرؤية لدى الكل، ينتظر المصريون بكل أطيافهم ما ستسفر عنه الساعات القليلة المقبلة.
0 تعليق على " التوتر في سيناء يوحد صفوف المصريين "
إرسال تعليق