اخر الاخبار

بلال فضل: هيا إلى الحرب !

176
بما أنك مهتم بمعرفة رأيى، دعنى أقل لك أن مشكلتى مع المدعوق حسنى مبارك لم تكن أبدا فى أنه لم يجعلنا نحارب إسرائيل لكى ننتقم لمقتل جنودنا على حدودها أو لكى نثأر لإخواننا فى غزة وجنوب لبنان، بل كانت مشكلتى معه أنه دمر مصر وهزمها بدون حتى أن تدخل حربا مع إسرائيل. وهذا بالتحديد هو سر غرام قادة إسرائيل به خصوصا المتشددين منهم، وهذا أيضا هو الذى جعلهم يعرضون عليه اللجوء إليهم هروبا من شعبه الثائر، وهذا الذى جعلهم يمارسون ضغوطا مذهلة لمساندته فى أيام شدته، مهما كنت دنيئا كيف لا تحب إنسانا حقق لك كل ماتتمناه وكفاك شر ماكنت تخافه، وكل ذلك برخص التراب.
بالمناسبة لا أتحدث هنا عن قيام مبارك بتصدير الغاز المصرى لإسرائيل بثمن بخس، ولا عن ضبطه لسياستنا الخارجية على المقاس الإسرائيلى، ولا عن تحقيقه لكل المصالح الإسرائيلية فى الزراعة والتجارة والصناعة والسياحة وبأكثر مما كانت تحلم به إسرائيل، ولا عن سماحه لإسرائيل بإختراق المجتمع المصرى لدرجة جعلتها تقوم بعمل عشرات الدراسات عن كل شبر فى مصر (وصل الأمر إلى وجود دراسات عن حركة التشجير فى شوارع القاهرة وسوق الجمال فى إمبابة وتأثيره على المجتمع المحيط بها)، لا أتحدث عن كل هذه الكوارث، فكلها أمور يمكن لحسنى مبارك وأذنابه أن يبرروها بكونه مغلوبا على أمره ورث تركة السلام المنق
وص من سلفه السادات، أو تصل بهم البجاحة لتصويرها كإنجازات قام بها رجل حكيم كان يسايس أمور البلاد لكى تستقر منبطحة على الأرض.
صدقنى كنت سأتغاضى عن هذا كله، لو كان مبارك قد نجح خلال سنين حكمه العجاف فى تطوير التعليم المصرى وجعله تعليما متميزا يخرج أجيالا تفكر بشكل مركب ويطور قدرتها على الخيال والأحلام، أو لو كان قد بنى قاعدة قوية للبحث العلمى تدخل بها مصر إلى عصر العلم بدلا من قبوعها فى عصر الضلالات والهلاوس الذهنية بعد أن تم تجفيف منابع العقل المصرى بإهدار إستقلال الجامعات وتحويلها إلى عزب لأمن الدولة يعلو فيها صوت المنافقين والخانعين وعديمى التفكير، أو لو كان قد نجح فى تحويل المجتمع المصرى إلى مجتمع منتج بدلا من بذل الغالى والنفيس من أجل ترسيخ مابدأه السادات فى تحويله إلى مجتمع إستهلاكى إعتمادى مخوخ الإرادة، أو لو كان قد قام بتحقيق الإكتفاء الذاتى لمصر فى القمح واستغل إمكانياتها الزراعية أو لو كان قد حافظ على بنية المصانع المصرية وطورها بدلا من بيعها وتخريبها، أو لو كان قد أنجز مشروع تنمية سيناء الذى كان يمكن أن يعبر بمصر إلى مستقبل حقيقى مدهش وخلاب ويضمن لنا الأمن القومى الذى لن يتحقق إلا عبر سيناء، هو لم يفعل هذا كله، بل فعل عكسه تماما وفعل ماهو أفدح منه عندما جعل الفساد منهجا متجذرا فى بنية الدولة، وحقق لأعداء مصر كل مايتمنونه فى جعلها بلدا طاردا للكفاءات والمواهب، وبذل كل مافى وسعه من أجل تجريف مؤسسات البلاد بحيث لم تعد تدرى فيها من هو حقا مع الإصلاح والتقدم ومن هو مستفيد من استمرار التخلف والفساد، بل وقام بمساعدة مخلصة من رجال أمن دولته بنصب شبكة من الألغام فى كافة مجالات الحياة لكى يضمن أن يظل متحكما فى مستقبل البلاد هو ومن سيختاره للحكم من بعده.
إسرائيل ليست غبية، هى ليست كائنا أسطوريا لا يقهر، لكنها تقوم بتوظيف قواعد البحث العلمى فى كافة المجالات وعلى رأسها مجال السياسة، لذلك هى تعلم أن مصلحتها الأولى فى أن تظل مصر بلدا غير ديمقراطى لا يحاسب فيه الشعب حكامه ولا يراقبهم، هى ليست خائفة كما يظن البعض من وصول بعض المتشددين الإسلاميين أو القوميين أو اليساريين إلى الحكم لأنها تعلم أنهم لن يحاربوها، لأن العالم لن يسمح بأى مغامرات فى هذا الجزء من العالم أيا كان الثمن، لكنهم سيتسببون بفضل سياستهم الإقصائية قصيرة النظر فى خلق فتن وقلاقل تعيد مصر عشرات السنين إلى الوراء. فى رأيى أكثر ماتخافه إسرائيل أن يصل إلى الحكم تيار وطنى مصرى أيا كانت هويته يتبنى سياسة واقعية ذكية ويفوت عليها فرصة تحويل مصر إلى جبهة لتصدير أزماتها، بعد أن رحل الذى كان يحرس حدودها ويفتح لها بلاده على البهلى. أخشى ماتخشاه إسرائيل أن يحكم مصر من يتعامل معها على طريقة حزب العدالة والتنمية التركى، يحترم إتفاقياته الدولية معها ولكنه لا يجعل مهمتها معه سهلة، بل يحيل علاقاته بها إلى كابوس ثقيل الظل، وحتى عندما تقوم بتوجيه ضربة موجعة له كما حدث فى الإعتداء على السفينة التركية الذاهبة إلى غزة يتمكن من خلال سياسة واقعية منضبطة فى تحويل الأمر إلى فرصة لكسب تعاطف شعبى يجعله يعطل عجلة التعاون مع إسرائيل التى تم فرضها عليه دوليا، وهذا ما تخشى إسرائيل أن يحدث فى مصر الآن.
لذلك أندهش عندما يتصور البعض من صادقى الوطنية أن إسرائيل تتضرر من تفجير أنابيب الغاز أو من الزعيق حتى الإنفتاق أمام سفارتها، أو حتى من عمل عمليات تخريبية على حدودها، بالعكس أزعم ويمكن أن يؤيدنى المتخصصون بالأدلة والبراهين التاريخية والمعاصرة أن ذلك بعض مما تتمناه إسرائيل، يخطئ من يظن أن التخريب الذى مارسه مبارك فى سيناء طيلة عقود لم يكن متعمدا بالتنسيق مع إسرائيل وبرضاها الكامل، لكى تستطيع إستخدامه فى ساعة الزنقة لتحقيق مصالحها بتحويل سيناء إلى منطقة قلاقل تستطيع من خلالها أن تهز إستقرار مصر وتعرقل بناء ديمقراطية حقيقية فيها وتظهر أمام العالم بمظهر المغلوب على أمره الذى لو قام بفعل عدائى فإنه يفعله من أجل الحفاظ على حدوده واستقراره، وسيتحالف معها فى ذلك كل حلفائها المصريين الذين بنت معهم شبكة علاقات نمت وتجذرت وأصبحت تدر عليها وعليهم مصالح بملايين الدولارات، وهى شبكة مصالح لن يضربها إلا تداول السلطة الذى سيجعل حكم مصر للمرة الأولى بيد الشعب.
حربنا مع إسرائيل لن ننتصر فيها أبدا بإغلاق سفارة وطرد سفير وحرق حتة قماش، كل هذه إجراءات تكتيكية حتى وإن بدا بعضها واجبا سياسيا، فهى للأسف لن تؤدى إلا إلى إنتصارات معنوية تلهى شعبنا عن الحقيقة المرة، حقيقة تخلفنا وتقدم إسرائيل، حقيقة أننا لن نهزمها إلا بما هزمتنا هى به: الديمقراطية والعلم. فهيا بنا إلى الحرب بهما وليس بغيرهما، هذا إذا كنا نريد نصرا حقيقيا يخلصنا من إسرائيل إلى الأبد. أما لو على الهتاف فما أسهل الهتاف، لو على العنتريات ما أجملها، بيد أنها لم تقتل ذبابة، حتى الآن على الأقل.

0 تعليق على " بلال فضل: هيا إلى الحرب ! "

إرسال تعليق

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...

التسميات

افتكاسات حسنى مبارك صــــور فيديو اعتداء اسرائيل على سيناء 8 يوليو اسرائيل اليمن الشعر جلال عامر ثورة 23 يوليو د البرادعى سوريا حبيب العادلى اخبار وائل قنديل ليبيا ابراهيم عيسى وزير التموين مقالات تخص الثورة علاء الاسوانى توفيق عكاشة محاكمة المخلوع مبارك يسرى فودة عبد الحليم قنديل السيسى فهمى هويدى مقالاتى حسين سالم غزة رابعة القموس السياسى ملف ثروات مصر احمد موسى الاسعار بلال فضل الفقر فؤاد حداد كامب ديفيد الابنودى تونس جمال مبارك كاريكاتير هوان العرب الدعم فساد احمد منصور فساد التموين فيديو الثورة كتب مليطة ابراهيم كامل شهداء الثورة وزير الاوقاف البرادعى الكهرباء تطبيع تيران و صنافير حلب صابر الرباعى عمرو عز - شاهد على الثورة قناة العربية مصطفى بكرى نصوص التحقيقات وجوه مضيئة للثورة ياسر رزق ابراهيم سليمان تامر امين خذلان العرب داليا زيادة سامح شكرى صحف اسرائيل صفوت حجازى علاء مبارك محمد الغيطى محمد نجيب ملف وزير الكهرباء ovemic اخبار اليمن الغلاء الفساد المترو انقلاب تركيا باسم يوسف برلمان 2015 بسنت فهمى بيت المقدس تدخل روسيا تركيا حازم الببلاوى دندراوى روبرت فيسك صفوت حجازي - شاهد على الثورة عبد العال فرنسا ليبرمان مأمون فندي محمد الجوادى مدحت العدل مرتضى منصور مصطفى الفقى مصطفى حجازى معتز عبد الفتاح مفيد فوزى مواطنون شرفاء وائل الابراشى يوسف زيدان ciohi أكرم القصاص ابو الغيط احمد الفضالى اسامة كمال استشهاد جنود اسعاد يونس اسعار اسماء البلتاجى الامارات البشير الدولار الزند السعودية الشرطة الشوبكى الشيخ محمد حسان الشيخ ميزو الصحة العريش القضاء القيمة المضافة الكهربا المصرى اليوم المفتى الهام شاهين انجى انور انس الفقى جمال بخيت حازم عبدالعظيم حسين فهمى حقوق انسان حمدين صباحى خالد محى الدين خالد يوسف داليا البحيرى دعم دينا رامز رانيا بدوى رفعت السعيد ريم البارودى ريهام السهلى زكريا عزمى سد اثيوبيا سعد الدين الهلالى سيد القمنى شوبير صحافة اسرائيل صور طبيعة صور مفتكسة عصام حجى عمر سليمان غلاء فلسطين فيديو : ابو حفيظة قناة الجزيرة لميس جابر مارجريت عازر ماسبيرو مايا دياب مجدى طنطاوى محلب محمد امين محمد عبد الرحمن مريد البرغوثى مصر للطيران مصطفى النحاس مظهر شاهين معصوم مرزوق مميز موجز ام الانباء موقعة الجمل نبيلة مكرم نهاوند سرى نوارة نجم نور المالكى هشام جنينة هيثم محمدين هيفاء وهبى وزير الخارجية وزير المالية

أرشيف المدونة الإلكترونية

افتكاسات الثورة كوميس افلام اقتصاد شعر الثورة احداث اسعار 2016 صور مصر قديم البومات
Are you Awesome? Legend has it that Awesome people can and will share this post!
بلال فضل: هيا إلى الحرب !