إبراهيم عيسى : بمنتهى الصراحة مع سيادة السفير

هل من مصلحة السعودية وضع علاقتها مع مصر وشعبها فى كفة، وعلاقتها مع مبارك فى كفة أخرى؟ هل يمكن أن تخسر السعودية مصر، دولة وحكومة وشعبا، من أجل شخص واحد؟ الإجابة بديهية جدا لدرجة أننى لم أقدم إجابة!
كان هذا سؤال السفير السعودى أحمد القطان موجها إلىّ علامة الاستفهام، قاطعا بأن المملكة لا يمكن أن تفرط فى مصر من أجل حسنى مبارك، ولا يعرف من أين يأتى هذا الكلام عن الضغط ورفض محاكمة مبارك! طيب ما هو اتحاكم أهه، عملنا حاجة؟
قلت للسفير:

هناك حالة شك تسمح بأن يقول أو يتقول البعض بأن السعودية ضغطت من أجل أن لا يحاكم مبارك، ثم إن حوكم فستضغط لئلا يُسجن، وإن سُجن فهى تضغط من أجل أن يُعفَى عنه، وإن عُفى عنه فستضغط كى يُسمح له بالسفر. ستظل هذه الأفكار مطروحة طوال الوقت طول ما فيه شك وعدم ثقة!
رد السفير:
شك فى إيه بالضبط؟ أن السعودية سوف تهدر علاقة تاريخية واستراتيجية مع شعب وبلد من أجل حسنى مبارك؟ هذا رئيس سابق، ماذا يفيدنا منه وفيه؟
سيادة السفير لتتفق معى: الجذر هو الكلام عن الثقة. هايل، نتكلم بالمنطق والمعلومات. هكذا رد السفير وأضاف: أربعة مليارات دولار استثمارات سعودية فى مصر فى دفعة أولى بعد الثورة، هذا فى الاقتصاد، أما فى العلاقات السياسية فمنتهى الاحترام والتقدير ولا يمكن أن تفكر السعودية لوهلة فى أن تقول شكرا مع السلامة لمليون مصرى وأكثر على أراضيها من أجل مبارك، نعم مبارك إن جيت للحق له مكانة فى قلوب أهل الخليج من يوم غزو الكويت حيث يحفظون له موقفه الداعم لتحرير الكويت فهذا الموقف هو الذى أبقى على خريطة منطقة الخليج كما هى الآن دون تغييرات فى الشعوب والحدود والدول.
قلت: لكن يا سيادة السفير هذا لم يكن موقف مبارك بل موقف الشعب الذى سافر شبابه، ضباطا ومجندين، فى حفر الباطن، والشعب الذى استقبل الكوايتة فى القاهرة ولم يهدر حبه للعراق إيمانه بحق الشعب الكويتى، لكن ربما شعوبنا لم تصل إلى هذه اللحظة الناضجة التى تفرق بين الشعب وحاكمه.
قال السفير: صحيح لكننا لا نستطيع القفز فوق العواطف فى هذه المسألة، ومع ذلك هل تتدخل فى العلاقة بين المملكة ومصر؟ إطلاقا، والقصة الجديدة التى يرددها البعض أن السعودية دفعت للسلفيين أربعة مليارات دولار تمويلا لهم للسيطرة على مصر، بالذمة هل هذا كلام؟ إنت عارف يا أستاذ إبراهيم أربعة مليارات دولار يعنى إيه؟يعنى أربعة وعشرين مليار جنيه مصرى، هذا يكفى ليملك السلفيون ميزانية أكثر من دول بجلالة قدرها!
أضاف السفير القطان: هذا كلام فارغ.. مش معايا؟
قلت: معاك إن المبلغ جنونى وعبثى ومستحيل، ومعاك فى أن هذا موضوع بلا أى دليل ولا قرينة، لكن مش معايا حضرتك فى إن السلفيين رفعوا أعلام السعودية فى مظاهراتهم؟ ثم إن ولاءهم للوهابية ثم إن علاقة السعودية بالسلفيين تمويلا ودعما ماليا قديمة منذ عام ١٩٢٦ مع جمعية أنصار السنة ومؤسسها حامد الفقى، ولعلك ترجع إلى مذكرات الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح حيث سفر شباب جامعى للتعلم على أيدى وعاظ سعوديين، ونفقات للعمرة والإقامة، وطبع كتب وتوزيعها مجانا، ونشر الحجاب والنقاب، ودور مالى سعودى لا شك ثم تمويل الجهاد فى أفغانستان وكل ما لحق به!
رد السفير: عظيم، هذا تاريخ، لنتكلم عن الحاضر، سلفيون رفعوا أعلام السعودية، طيب هل تظن لو نحن مولناهم نقول لهم علقوا أعلامنا واكشفونا مثلا؟ إن أفكارهم توحى إليهم أن الراية الخضراء بالشهادة علم الإسلام وليست علم السعودية، ثم الوهابية ليست مذهبا.
يا سيادة السفير الوهابيون أحرار يقولون ويعملون ما يريدونه فى السعودية لكن من غير تصدير لمصر، إيران كانت متهمة بتصدير الثورة ثم التشيع، والمؤكد أن الوهابية تسعى للتصدير والانتشار فى بلدنا وهى ضد مفهومنا المصرى للإسلام.
يا أستاذ إبراهيم، الحكومة السعودية ليست مشغولة بتصدير الوهابية بل منشغلة بالاستثمار والتعاون الاقتصادى مع مصر، مصلحتنا أن مصر تبقى قوية وجاذبة للاستثمار ومستقرة، هل تظن لو اهتزت مصر أو ترنحت، لا قدر الله، السعودية ستكون مرتاحة أو مطمئنة على نفسها وعلى المنطقة؟ مستحيل، فلا تقل لى إن مملكة بسياستها ومصالحها ستهتم بشخص مبارك وتغفل عن مصر الكبيرة المهمة، وإنها ستقعد تضغط وتشترط من أجل فرد وتنسى أمة ووطنا ومنطقة ومستقبل خريطة العالم العربى.
كان السفير القطان واثقا ويجمع بين المنطق والحماس.
فأجبته: وأنا معك، فقط ارحمونا من الجمعيات المتحمسة لنشر الوهابية عندنا وتنفق وتمول من خلف الحكومة السعودية.
قال السفير: نحن نراقب ونتابع تبرعات الجمعيات الخيرية والدينية فى السعودية منذ 11سبتمبر.
قلت: أرجوكم راقبوها بعد 11 فبراير يا سيادة السفير!