اخر الاخبار

بلال فضل : مناخير الفرعون

58
هذا مقام الحمد فالحمد لله والمجد للشهداء، هذا مقام التكبير فالله أكبر وتحيا مصر، هذا مقام الأمل فارفع رأسك فوق أنت مصري، هذا مقام الفرحة فالمجد للثوار من كل الإنتماءات والتيارات والمذاهب والإتجاهات للذين تظاهروا والذين اعتصموا للذين هدأوا والذين انفعلوا للذين تفاءلوا والذين تشاءموا للذين فرقهم الكثير وجمعهم حب الوطن، هذا مقام الذكرى فلنتذكر أن مصر وضعت أقدامها فقط على بداية الطريق، هذا مقام الوعى فلنقلب صفحات التاريخ قبل أن نصدر أى حكم من أى نوع على ماجرى ويجرى لعل الغافلين يتذكرون أننا أمام لحظة تاريخية لم تشهدها مصر والأمة العربية منذ فجر التاريخ.
أنا فى البداية فور أن رأيت وجه مبارك وهو يدخل إلى قفص المحكمة، بكيت، بكيت بغزارة، على الفور وجدتنى أعيش من جديد كل دقيقة عشتها فى يوم 28 يناير، تذكرت رغبتى فى نصر سريع لكى أعود إلى زوجتى وبناتي، تذكرت خوفى من الموت الذى جعلنى أكتشف أننى أحب الحياة بجنون لكننى اكتشفت أيضا أننى لم أكن قد عشتها حقا قبل أن أنزل طلبا لها فى وطن تسوده الحرية والكرامة والعدالة الإجتماعية، تذكرت عجزى عن التنفس الذى نسيته أمام عجزى عن فعل أى شيئ لرجل أخذ يلفظ أنفاسه الأخيرة أمام عينيّ فى شارع جانبى متفرع من كوبرى الجلاء بعد أن كان آخر ماقاله تحيا مصر وهو يرفع يديه إلى السماء مشيرا بعلامة النصر، تذكرت مشاعر الإنهزام وهى تبدو جلية فى عيون الذين وقفوا متناثرين فى ميدان الجلاء وقد عجزوا عن التنفس، ثم تذكرت كيف ردت فينا الروح جميعا ونحن نرى مئات الآلاف يتدفقون من شوارع إمبابة وبولاق الدكرور والهرم وفيصل والجيزة ليسقط فى تلك اللحظات نظام حسنى مبارك، قبل حتى أن نعرف أنه سقط وقبل حتى أن يخطر على عقله أنه سقط.

الثورة فعل فردي، مهما بدت جماعية لا يمكن أن تنسى أن لكل ثائر ثورته، له لحظاته التى يشعر فيها بالخوف والإرتباك والخذلان واللخبطة والأمل، وله لحظته التى يشعر فيها بالنصر، إذا كنت ستسألنى عن اللحظة التى رأيت فيها سقوط نظام مبارك حقا، فهى اللحظة التى رأيت فيها الفرعون المخلوع يلعب فى مناخيره داخل قفص الإتهام، قد تراه إختيارا أهوج لا يليق بجلال المناسبة وبهائها، لكننى أراه إختيارا يليق بمبارك نفسه ونظامه وطريقة حكمه، إختيارا صغيرا يليق بمعنى كبير، معنى الفرعون الذى كسر أحرار شعبه مناخيره المغرورة المستبدة المتعالية العنيدة البليدة وأدخله إلى قفص الإتهام، معنى التاريخ الذى أعاد أحرار المصريين كتابته ليأخذوا بلحظة رمزية بسيطة ثأرا لآبائهم وأجدادهم الذين أذلهم الفراعنة على مدى التاريخ، من اليوم سيكون هذا مصير كل طاغية يقتل شعبه ويسرق ثرواته ويصادر إرادته ويهين كرامته، أن ينتهى به الأمر معرضا للظهور أمام الملايين وهو يلعب فى مناخيره داخل قفص الإتهام.
كل محاولات إضفاء الجلال والشجن على الفرعون باءت بالفشل، أفشلها مبارك نفسه بنظرات عينيه المتبلدتين، بإصراره على الصبغة حتى النهاية ليذكرنا بإصراره الدائم على الوقوف ضد قوانين الطبيعة، بإصراره على الدخول فوق سرير طبى لكى يذكر الناس بالمعتقلين الذين كانوا يُقيدون بالكلابشات إلى الأسرة المتهالكة فى المستشفيات السلخانات، وأخيرا برغبته فى أن يبدو غير مكترث وغير منهزم وغير آبه بما حدث وبما سيحدث حتى لو كان ذلك عبر إدخال أصابعه فى مناخيره التى لازال يظن أنها تلامس عنان السماء. فشلت محاولات جلب التعاطف بمجرد رؤية الناس لسحنة إبنه الحالم بعرش مصر الذى أعطاه الله كل شيئ وسلب من وجهه الحياة، بظن إبنه الأكبر أنه لو حمل مصحفا سيتمكن من محو حقيقة أن حكم أبيه كان يمثل تناقضا كاملا مع كل المعانى التى نزل المصحف الشريف لكى تسود فى هذه الأرض التى استبد بها أبوه وعاث فيها فسادا، وأخيرا فشلت برؤية الناس لملامح الرجل الذى إختاره مبارك لكى يحمى عرشه بالحديد والنار والرصاص الحى والمطاطى والغاز المسيل للدموع والكهرباء والعصى الخشبية والهراوات وموات القلب.
اللحظة أكبر من الكتابة، أكبر منا جميعا، أكبر من الثوار والفلول، من المتفرجين والشامتين والساخطين والخاشعين، لذلك لا تتعجب من أى رأى تسمعه حتى لو بدا لك أنه مبالغ أو أبله أو مُغيب أو عاجز عن رؤية الواقع أو غير قادر على إدراك أن الثورة تحتاج بشدة إلى أن تكون محاكمة مبارك عادلة ومنصفة، وأن المعركة القانونية ستكون شرسة وطويلة ومجهدة ودنيئة أحيانا، لكن كل محاولات الإلتفاف على القانون والنفاذ من ثغراته لن تمحو ولو للحظة الحقيقة التى كتبها أحرار مصر فى يوم الثالث من رمضان المبارك، المبارك بجد، هذه اللحظة التى أظن أنك لو سألت التاريخ نفسه هل يفهم مايحدث لوجدته غير مصدق لها أو غير قادر على إستيعابها، لكن أرجوك وأحب على إيدك، لا تجعل إدمان اليأس يحرمك من الفرحة، ولا تجعل الفرحة تنسيك أن ماحدث ليس سوى بداية، بداية لطريق طويل نحو الحرية والمدنية والتقدم والخلاص من حكم العسكر، بداية لبناء دولة كبيرة لا يحكمها رمز بل يحكمها دائما رجل أصغر منها ومن شعبها، بداية لمجتمع يسوده العدل الذى لا يستثنى أحدا أيا كان، وبداية لشعب جديد على كل فرد فيه أن يحارب المستبد الذى يحكم بداخله والفاسد الذى يعشش فى تفكيره.
والله وباضت لك فى القفص يامصر.. فاسلمى فى كل حين.

0 تعليق على " بلال فضل : مناخير الفرعون "

إرسال تعليق

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...

التسميات

افتكاسات حسنى مبارك صــــور فيديو اعتداء اسرائيل على سيناء 8 يوليو اسرائيل اليمن الشعر جلال عامر ثورة 23 يوليو د البرادعى سوريا حبيب العادلى اخبار وائل قنديل ليبيا ابراهيم عيسى وزير التموين مقالات تخص الثورة علاء الاسوانى توفيق عكاشة محاكمة المخلوع مبارك يسرى فودة عبد الحليم قنديل السيسى فهمى هويدى مقالاتى حسين سالم غزة رابعة القموس السياسى ملف ثروات مصر احمد موسى الاسعار بلال فضل الفقر فؤاد حداد كامب ديفيد الابنودى تونس جمال مبارك كاريكاتير هوان العرب الدعم فساد احمد منصور فساد التموين فيديو الثورة كتب مليطة ابراهيم كامل شهداء الثورة وزير الاوقاف البرادعى الكهرباء تطبيع تيران و صنافير حلب صابر الرباعى عمرو عز - شاهد على الثورة قناة العربية مصطفى بكرى نصوص التحقيقات وجوه مضيئة للثورة ياسر رزق ابراهيم سليمان تامر امين خذلان العرب داليا زيادة سامح شكرى صحف اسرائيل صفوت حجازى علاء مبارك محمد الغيطى محمد نجيب ملف وزير الكهرباء ovemic اخبار اليمن الغلاء الفساد المترو انقلاب تركيا باسم يوسف برلمان 2015 بسنت فهمى بيت المقدس تدخل روسيا تركيا حازم الببلاوى دندراوى روبرت فيسك صفوت حجازي - شاهد على الثورة عبد العال فرنسا ليبرمان مأمون فندي محمد الجوادى مدحت العدل مرتضى منصور مصطفى الفقى مصطفى حجازى معتز عبد الفتاح مفيد فوزى مواطنون شرفاء وائل الابراشى يوسف زيدان ciohi أكرم القصاص ابو الغيط احمد الفضالى اسامة كمال استشهاد جنود اسعاد يونس اسعار اسماء البلتاجى الامارات البشير الدولار الزند السعودية الشرطة الشوبكى الشيخ محمد حسان الشيخ ميزو الصحة العريش القضاء القيمة المضافة الكهربا المصرى اليوم المفتى الهام شاهين انجى انور انس الفقى جمال بخيت حازم عبدالعظيم حسين فهمى حقوق انسان حمدين صباحى خالد محى الدين خالد يوسف داليا البحيرى دعم دينا رامز رانيا بدوى رفعت السعيد ريم البارودى ريهام السهلى زكريا عزمى سد اثيوبيا سعد الدين الهلالى سيد القمنى شوبير صحافة اسرائيل صور طبيعة صور مفتكسة عصام حجى عمر سليمان غلاء فلسطين فيديو : ابو حفيظة قناة الجزيرة لميس جابر مارجريت عازر ماسبيرو مايا دياب مجدى طنطاوى محلب محمد امين محمد عبد الرحمن مريد البرغوثى مصر للطيران مصطفى النحاس مظهر شاهين معصوم مرزوق مميز موجز ام الانباء موقعة الجمل نبيلة مكرم نهاوند سرى نوارة نجم نور المالكى هشام جنينة هيثم محمدين هيفاء وهبى وزير الخارجية وزير المالية

أرشيف المدونة الإلكترونية

افتكاسات الثورة كوميس افلام اقتصاد شعر الثورة احداث اسعار 2016 صور مصر قديم البومات
Are you Awesome? Legend has it that Awesome people can and will share this post!
بلال فضل : مناخير الفرعون